معركة انوال، المكاسب والتداعيات

معركة انوال، المكاسب والتداعيات

بحلول 2009 يكون قد مضى على معركة أنوال المظفرة ثمانية وثمانون عاما، وهي ذكرى غالية تعيد إلى أذهان المغاربة ما قام به الآباء والأجداد من تضحيات جسام حتى يبقى المغرب حرا مستقلا. إن أحداثا من هذا القبيل تشكل لا محالة معينا لا ينضب من الدروس والعبر التي من شأنها أن تفيد بكل تأكيد في مواجهة أخطار الحاضر وتساعد على تلطيف حدة مفاجآت المستقبل. وهكذا في مطلع العشرينيات من القرن الماضي ازدادت أحوال المغاربة سوءا من جراء ارتفاع وتيرة الحركة الاستعمارية التي طالت جميع مظاهر حياتهم اليومية وجعلت مستقبلهم وسيادة وطنهم في مهب الرياح الهوجاء، بحيث انتقل العمل الكولونيالي من طور الاستعمار العسكري بمفهوم هيكلته التقليدية المعهودة إلى مرحلة الاكتساح الشمولي والهيمنة المطلقة. وبات من الواضح أن مخططات المستعمر تهدف إلى استئصال عناصر ومقومات الهوية الحضارية والثقافية الوطنية تمهيدا لبسط السيطرة النهائية واستدامة الاحتلال. ورغم صمود القبائل المغربية هنا وهناك فإن الأفاق كانت على العموم تبدو مسدودة تماما، سيما وأن الحرب الكبرى قد وضعت أوزارها وأعطت بذلك نفسا جديدا للزحف الإمبريالي وتكريسا صارخا لوسائل الإكراه والتضليل المختلفة والاستبداد المتعجرف على نطاق شتى المستعمرات. وكانت فرنسا تلك الدولة "الحامية" للمغرب من بين الأطراف التي خرجت منتصرة من هذه الحرب العالمي الأولى، وهو الشيء الذي ضاعف من غطرستها وجبروتها إلى الحد الذي أصبح معه قادتها لا يقيمون أي وزن يذكر للمقاومات المحلية مهما تعاظم نفوذها وتقوت شوكتها. لقد سقط المغرب تحت جبروت الإمبريالية المتعددة الرؤوس واحتفظت الجمهورية الفرنسية بحصة الأسد في ذلك التقسيم الجائر. وكان على إسبانيا أن تحتل المنطقة الشمالية بإرادة ودعم من الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس نظرا لترامي أطراف مستعمراتها عبر العالم. لقد فرضت هذه الأخيرة على كل الدول المتناحرة على استعمار المغرب تخصيص منطقة دولية حول مدينة طنجة خدمة لمصالحها الاستراتيجية، وكانت بريطانيا إلى حد بعيد هي صاحبة الكلمة الأخيرة في رسم الخريطة الكولونيالية بالمغرب

انهيار القوات الإسبانية أمام وثبات المجاهدين الريفيين

بتاريخ 25 غشت 1919 عينت الحكومة الإسبانية الجنرال برينكر مقيما عاما على منطقة نفوذها

الكولونيالي بالمغرب، وذلك بعد وفات سلفه الجنرال خوردانا.وهونفس التاريخ الذي تم فيه تعيين الجنرال سلفستر على الجبهة الريفية الغربية قصد مواجهة قبائل بني عروص التي كانت آنذاك تحت لواء الشريف الريسولي المتقلب الأدوار

وفي السنة الموالية انتقل الجنرال سلفستر إلى مليلية ليكون على رأس القيادة العليا للجيش الإسباني هناك، وكان واضحا من سلوكاته وتصريحاته المستفزة لشخصية الريفيين وكبريائهم أنه يستعجل اكتساح كل المناطق الريفية الشرقية غير مكترث بما قد تقوم به قبائل تلك المناطق من ردود دفاعية فتاكة. والواقع أنه بدأ فعلا يحرز على بعض التقدم الميداني ويحتل بعض المواقع داخل تراب تلك القبائل ليجعل منها مراكز أمامية تنطلق منها لاحقا هجماته العدوانية الهادفة إلى الاستيلاء الشامل عل معاقل الريفيين. والجدير بالإشارة أنه كان يتمتع بدعم شخصي، ومباشر من الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر، مما زاده غرورا واستعلاء حتى في إطار علاقاته مع المقيم العام الإسباني بتطوان . وكان من بين تقاريره " الانتصارية " برقية بعث بها إلى هذا الأخير يعلن له فيها عن احتلال إغريبن، وهو موقع يوجد بين قبيلتي تمسمان وبني توزين ولا يبعد إلا ببضعة كيلومترات عن معسكر أنوال
..........
اختار محمد بن عبد الكريم الخطابي التكوين الذي مكن والده من ممارسة القضاء، حيث كان شغوفا بالدراسات الفقهية الإسلامية وذهب لطلب العلم إلى فاس حيث درس في جامعة القرويين لبضع سنوات. وبحكم انتمائه العائلي والقبلي إلى جانب تكوينه وإتقانه للغة الإسبانية كان يمثل نموذج المواطن الأصيل الذي يسعى الاستعمار الإسباني لاستقطابه بغية تدعيم اختراقه للمجتمع الريفي وتوطيد قدمه بالمنطقة. وهكذا عمل محررا بصحيفة " تلغرام الريف " الصادرة بمليلية ، ثم أستاذا وموظفا بمكتب شؤون الأهالي مع مزاولته لمهنة القضاء التي ارتقى فيها إلى منصب قاضي القضاة بمليلية . كان عداؤه للاستعمار الأوروبي بصفة عامة معروفا منذ مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906. ولما اندلعت الحرب العالمية الأولى بدأ يبتعد تدريجا عن السلطة الاستعمارية الإسبانية ليتحصن بأجدير. على مقربة من الحسيمة، بين أهله وذويه. لقد ذاق مرارة السجن وانكسرت رجله اليمنى عندما حاول الهروب من قبضة الإسبان الذين أصبحوا يطاردون آل الخطابي بعدما فشلت كل محاولاتهم الهادفة إلى إغراء أفراد هذه العائلة النبيلة. غادر محمد بن عبد الكريم مليلية بصفة نهائية عام 1919 ليقيم بأجدير التي شهدت زواجه ووفاة أبيه القاضي عبد الكريم. وفي هذه البلدة وضع اللبنات الأولى للأسس السياسية والعسكرية والإدارية لما أطلق عليه الريفيون " الريفوبليك " التي تبلورت معالمها مباشرة بعد انتصار أنوال الساحق سنة 1921 ، وكانوا يقصدون بذلك حكما منظما مستقلا يتحدون به "بوجروان" المستعمر الإسباني ، أكل الضفادع

أما فيما يتعلق بمعركة أنوال على وجه الخصوص فيمكن أن نجزم أنها جاءت تتويجا لعدة مجابهات مع القوات الغازية دامت من فاتح يونيو 1921 إلى 26 يوليوز من نفس السنة، وكانت متسلسلة كالتالي: ظهر أبران- سيدي إبراهيم – إغريبن – أنوال. ويفهم من هذا التطور المتلاحق أن معركة أنوال لم تكن نتيجة لتخطيط مسبق سطرته المقاومة الريفية وجعلت منه هدفا يتصدر أولوياتها الاستراتيجية، بل كانت مجرد مرحلة عادية على درب النضال المستميت. ورغم هذا الانتصار الباهر فإن الريفيين خلافا لما يعتقد لم يبتهجوا له كثيرا. ذلك لأنهم كانوا في موقع دفاعي مشروع ولم يقوموا إلا باسترداد ما ضاع منهم، وكانوا على يقين تام أنهم ما زالوا في بداية مشوار الانعتاق. هذا مع علمهم بالحجم الحقيقي لقوات العدو وبإمكانية حدوث تحالفات استعمارية واسعة ضدهم.

ومن هنا فإن انتصار أنوال كان يحمل في طياته بوادر احتمالات قوية تنذر بفشل الثورة الريفية، وهي مفارقة عنيدة كان يغذيها المنطق الإمبريالي السائد يومئذ. لكن هذه المعركة شكلت وبكل تأكيد الخطوة الحاسمة في بزوغ قمر الانتفاضة الريفية في صيغتها التاريخية.

نتائج معركة أنوال المثمرة

تتضارب الأرقام والتأويلات في تحديد الخسائر الاسبانية والريفية الناجمة عن تطاحنات أنوال، لكن كافة المصادر تجمع على أنها كانت هزيمة نكراء وكارثة وطنية بكل المقاييس بالنسبة للإسبان، وبالمقابل فإنها كانت بالنسبة للريفيين وسام شرف تاريخي في الدفاع عن الكرامة وشهادة استحقاق عالمية في النضال التحرري، وفي كتاب " مذكرات بن عبد الكريم" حصيلة لما كسبه الريفيون من هذه المواجهة جاءت على لسان بطل الريف كما يلي: " ردت علينا هزيمة أنوال 200 مدفع، سواء من عيار 75 أو 65 أو 77 وأزيد من 20.000 بندقية، ومقادير لا تحصى من القذائف وملايين الخراطيش، وسيارات وشاحنات، وتموينا كثيرا يتجاوز الحاجة، وأدوية، وأجهزة للتخييم. وبالجملة تبرعت علينا إسبانيا، بين عشية وضحاها، بكل ما كان يعوزنا لنجهز جيشا ونشن حربا كبيرة. وأخذنا 700 أسير، وفقد الإسبان 15.000 جندي ما بين قتيل وجريح ". وقد تم الإفراج لاحقا عن الأسرى الإسبان الناجين من الموت المحقق مقابل مبلغ مالي وصل إلى أربعة ملايين بسيطة إسبانية، مما أعطى قفزة نوعية سياسيا وعسكريا للتنظيم الريفي الجديد. ومن هذا المنظور فإن أنوال كانت فتحا مبينا بالنسبة للمقاومة الريفية التي بدأت تتعزز يوما عن يوم بانضمام حماسي للقبائل المجاورة. وللإشارة فإن الجنرال سلفستر لقي حتفه خلال هذه المعركة

لقد كان عبد الكريم يدرك جيدا، بحكم احتكاكه السابق بالإدارة الاستعمارية الإسبانية أن مشكلة مقاومة الشعب المغربي عموما كانت تتجلى قبل كل شيء في غياب التنظيم المحكم والالتحام الشعبي الصلب، وأعطى الدليل القاطع من خلال انتصار عناصره في معركة أنوال أن المستحيل ليس ريفيا وأن الشعب إذا أراد يوما الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. وكانت هذه المكاسب المعنوية في الواقع التاريخي أغلى نتيجة على الإطلاق وسجلها أبناء الريف المجاهدون

بقي أن تداعيات هذه الحركة الثورية التحريرية والمتحدية للاستعمار والإمبريالية، وبأسلوب يواكب مستجدات ومستلزمات الركب الحضاري، كانت تتسم إجمالا بانعكاساتها السلبية. بمعنى أن ظرفية المحيط الخارجي كانت غير ملائمة تماما للتطور الإيجابي للانتفاضة الريفية. نعم لقد ازداد شعور الإسبان مباشرة بعد أنوال بأنهم عاجزون كليا ونهائيا عن مواصلة تواجدهم الاستعماري بشمال المغرب، ولم يبق لهم سوى أمل وحيد، هو التدخل الثقيل للقوات الاستعمارية الفرنسية إلى جانبهم. وهكذا فرضت الإمبريالية بقوة الحديد والنار في آخر المطاف منطقها الهمجي على شعب كان ذنبه الوحيد هو كفاحه المشروع من أجل الحرية والانعتاق. وباستسلام عبد الكريم للقوات الفرنسية يوم 26 يوليوز 1926 يكون الستار قد أسدل على التجربة الريفية الجهادية لتظل حاضرة إلى الأبد في أذهان كل المغاربة الغيورين على سيادة بلدهم وكذلك في أذهان كل محبي السلام عبر العالم بأسره

موضوع مفيد جدا أخي ياسين

لازم علينا نحن الشباب المغاربة تكون عندنا دراية شاملة بالتاريخ المغربي و الحروب التي خاضها في معركته ضد الأعداء الاسبان والفرنسيين المغتصبين
في الحقيقة معركة انوال هي مدعاة للفخر لنا نحن المغاربة

موضوع رائع
سعيدة بالتعرف على ثقافتكم

مشكورة على مرورك الطيب

معركة انوال، المكاسب والتداعيات 996292287

» معطيات عن معركة أنوال
» جنود الرحمن تقاتل مع القسام في معركة الفرقان
» الجزيرة : معركة مضنية لتحسين صورة الأحياء والأزقة في المغرب